فصل: رجل صالح مالك لأمره تصدق على آخر مثله بميراثه من أبيه إذا مات والأب باق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يهب الجارية لامرأته فيدفعها إليها:

ومن كتاب الوصايا الذي فيه الحج والزكاة:
وسئل: عمن يهب الجارية لامرأته فيدفعها إليها، ويشهد لها عليها، فتكون عندها على حالها تخدمها وتخدمه على نحو ما تخدم الخادم زوج سيدتها. أترى ذلك منها حوزا؟ فقال: إن هذا لإلى الضعف ما هو. قيل له: قد أشهد لها عليها ودفعها إليها وإنما تخدمها وتخدمه، على نحو ما تخدم الخادم زوج سيدتها. قال: أرأيت لو وهبت هي لزوجها خادما وأشهد له عليها، أو متاع بيتها ثم أقام على حاله بأيديهما تنتفع به على نحو مما تنتفع به بخادم زوجها وبمتاعه الذي هو في بيتها، أيكون له ذلك إذا ماتت؟ ما هذا بمستقيم، ولكن لو خير ذلك وأخرج من ماله التي هو عليها.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم اغتسل من آخر سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

.مسألة بيع الحائط مساقاة والعامل فيه:

ومن كتاب مسائل بيوع من كراء:
قال: وسئل: عن الذي يهب ثمن حائط هذه السنة ثم يريد أن يبيع أصل الحائط من رجل آخر، فقال: لا يصلح أن يبيعه ما لم تؤبر الثمرة، ولو باعه بعد أن توبر لم يكن له بأس.
قال محمد بن رشد: لابن القاسم في رسم الصلاة من سماع يحيى بعد هذا: إن ذلك لا يجوز، إلا أن يبيع الأصل في دين رهنه إذا ألجئ إلى ذلك من فلس، وهو مثل قوله في المدونة: إن الغرماء إذا أقاموا على صاحب الحائط البينة فلهم أن يبيعوا الحائط. والمساقاة كما هي، إذ لا فرق بين أن يكون ثمر الحائط أو بعضه قد وجب قبل بيع الحائط لغير رب الحائط بهبة أو بمساقاة.
وقد روى أشهب عن مالك إجازة بيع الحائط مساقاة والعامل فيه لم يذكر تفليسا ولا غيره، فهي مسألة فيها ثلاثة أحوال:
أحدها: إن ذلك لا يجوز في فلس ولا غيره؛ لأن ذلك بمنزلة ما لو باع حائطه واستثنى ثمره قبل الإبار أو قبل الطلوع وهو نص قول غير ابن القاسم في مسألة المساقاة في المدونة إن لم يجز ذلك في الفلس فأحرى لا يجيزه في غير الفلس.
والثاني: إن ذلك جائز في الفلس وغيره؛ لأن البائع لم يستثن الثمرة لنفسه، فيكون باستثنائها كأنه اشتراها، وإنما علم بوجوبها لغيره، فهو عيب تبرأ منه في بيعه.
والثالث: الفرق بين الفلس وغيره، وهو قول ابن القاسم في سماع يحيى في مسألة الهبة، وقوله في المدونة في مسألة المساقاة، وكان سحنون فيما حكى عنه ابن عبدوس يستحسن قول غير ابن القاسم، في أن ذلك لا يجوز، في فلس ولا غيره؛ لأنه من بيع الأصل، واستثناء ثمرته، ثم رجع إلى قول ابن القاسم ورآه من جنس الضرورة؛ لأن أصحابنا يجوزون عند الضرورة من البيع ما لا يجوزونه عند غير الضرورة، والذي أقول به: إن ذلك جائز في الفلس وغيره؛ لأن بيع الحائط واستثناء ثمرته قبل أن تؤبر إنما لم يجز على قياس القول بأن المستثني بمنزلة المشتري؛ لأنه يصير كأن رب الحائط قد باع حائطه بما سمى من الثمن وبالثمرة التي استثناها، وهذا لا يتصور إذا كانت الثمرة قد وجبت قبل بيع الحائط لغير رب الحائط، وعدم علة المنع، توجب الجواز، وبالله التوفيق.

.مسألة مولى عليه موسع عليه تصدق على أمه بإذن وليه:

ومن كتاب الأقضية الثاني:
قال أشهب: وسمعت مالكا: وسئل: عن مولى عليه موسع عليه تصدق على أمه بإذن وليه بدار له حياتها، ثم مرجعها إليه وإلى ولده، قال: ما أرى ذلك له، فقيل له: فكيف الأمر في ذلك؟ وقد شهدنا عليه بإذن وليه، هو أتانا بذلك، وسألنا، فقال: سلوهم أن يمحوا شهادتكم، فإن أبوا، فارفعوا ذلك إلى الناظر حتى يجيزه أو ينقضه، كيف تشهدون على مثل هذا وأنتم قوم تطلبون العلم وتنظرون فيه؟
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة؛ لأن الوصي لم يقدم على اليتيم إلا ليحوز عليه ماله، ويمنعه من إبذاره وإتلافه بالهبات والصدقات، وشبه ذلك.
وقوله: فإن أبوا فارفعوا ذلك إلى السلطان حتى يجيزه، معناه: حتى ينظر في أمره، فإن بان له رشده أمضاه، وكفى من الدليل على بيان المسألة توبيخ مالك لمن قصر فهمه عن إدراك معناها، وبالله التوفيق.

.مسألة تصدق على أخ له بعبد صدقة:

وسئل: عمن تصدق على أخ له بعبد صدقة بتلا على أمه إن مات فالعبد إليه رد، وإن مات المتصدق قبل فالعبد لك بتلا.
قال مالك: فأيهما مات قبل؟ فقيل: المعطي. فقال: ما أراه إلا راجعا إلى المعطي؛ لأنه كأنه أعطاه ذلك حياته.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن أول قوله مرتبط بآخره، فليست بصدقة مبتلة، بما شرط عليه فيه، من أنه إن مات قبله فهي عليه رد؛ لأن ذلك يقتضي ألا يكون له فيها تفويت ببيع ولا بغيره، ما دام المتصدق حيا حتى يموت، فآل أمرها إلى أنه أوصى له بها بعد موته، وعجل له الانتفاع بها طول حياته، فوجب إن مات المتصدق عليه، فله أن يرجع إليه كما شرط، وإن مات المتصدق قبله بثلث له من ثلثه، على معنى الوصية إن كان غير وارث كذلك، قال ابن نافع فيها: إنه إن مات المعطى قبل نظر، فإن كان الأخ وارثا لم يجز له ما صنع، وكان مردودا، يريد: إلا أن يجيز ذلك الورثة، وإن كان الأخ غير وارث جاز ذلك في الثلث. وبالله التوفيق.

.مسألة تصدق بدار له أو حائط على ولده وولد ولده صدقة:

ومن كتاب الأقضية الثالث:
وسئل: عن رجل تصدق بدار له أو حائط على ولده وولد ولده صدقة بتلا لا مثوبة فيها ولعقبهم فمات ولده كلهم، ولم يتركوا إلا بنتا لبعض ولده الذكور، فأرادت أن تبيع، فقال: ماذا لها؟ فقيل له: إنه لم يجعل حبسا، إنما قال: صدقة بتلا لا مثوبة فيها، فقال: هذه أراها لهم يبيعونها في دينهم، فقيل له: إنه جعلها لهم ولأعقابهم، قال: ليس لهم أن يبيعوها، فقيل له: فقد ماتوا كلهم، حتى لم يبق منهم إلا امرأة واحدة، فأرادت أن تبيع، ولم يجعل ذلك حبسا، أترى لها ذلك؟ قال: نعم، في رأيي أرى ذلك لها. هذا إنما جعلها لهم، ولم يحبسها فالبنت تبيع؛ لأن ولدها ليس بعقب، وليس لها في هذا حق. والولد الذكر ليس له أن يبيع لأن ولده عقب.
قال محمد بن رشد: قد قيل: إنها ترجع بمرجع الأحباس، ولا يكون لآخر العقب ملكا. قال ابن عبدوس: وهو قول أكثر أصحابنا، ومثله في المدونة لبعض رجال مالك، إلا أن يقول: وهو لآخر العقب ملكا، فيكون ذلك كما قال. وتخرج المسألة من الاختلاف، وهي في كتاب ابن المواز، قال: إذا قال: داري محبسة على ولدي وعقبهم وهي الآخر منهم بتلا. قال: تكون كذلك للآخر منهم بتلا، وهي قبل ذلك محبسة، إلا أن يمضي للآخر، وسواء قال: هي للآخر، أو قال: هي الآخر، فإن كان أحدهم امرأة باعت إن شاءت، أو صنعت ما شاءت قد صارت مالها، وإن كان رجلا ممن يرجى له عقب حبست ولم تبع، فإن مات قبل أن يولد له ولد، كانت ميراثا للورثة؛ لأنه حين مات تبين أنها كانت له. وبالله التوفيق.

.كتاب الصدقات والهبات الثاني:

.رجل صالح مالك لأمره تصدق على آخر مثله بميراثه من أبيه إذا مات والأب باق:

من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: وسئل ابن القاسم: عن رجل صالح مالك لأمره، تصدق على آخر مثله بميراثه من أبيه إذا مات، والأب باق، أيجوز له؟ فقال: لا أرى أن يجوز هذا، قال ابن القاسم: ولا أقضي به عليه، وهو أعلم؛ لأنه أمر لا يدري قدره، ولا يعلمه، لا يدري كم يكون ألف دينار؟ فلا أدري ما هو؟ وهو أعلم.
قال محمد بن رشد: قوله: لا أرى أن يجوز هذا، معناه: لا أرى أن يجوز هذا عليه، أي: لا يلزمه، إذ ليس بأمر يجب رده وفسخه لفساده، يبين ذلك قوله بعد ذلك: ولا أقضي به عليه، وهو أعلم؛ لأنه أمر لا يدري قدره، ولا كم يكون؟ فإنما قال: إن ذلك لا يلزمه، من أجل أنه لم يدر قدره ما وهب، إلا من أجل أنه وهب مالك يملك، إذ لم يهبه اليوم، فيكون قد وهب ما لم يملكه بعد، وإنما أوجب ذلك على نفسه يوم يموت أبوه، فيجب له ميراثه، كمن قال: إن ورثت فلانا واشتريته فهو حر، يلزمه ذلك، بخلاف قوله: هو اليوم حر، وقوله في هذه الرواية: إن ذلك لا يلزمه خلاف ما يأتي من قوله في رسم الأقضية والحبس من سماع أصبغ: إن ذلك يلزمه، إلا أن يقول: كنت ظننت أنه يسير، ولو علمت أنه بهذا القدر ما وهبته، ويشبه ذلك من قوله: فيحلف على ذلك، ولا يلزمه، فاتفقت الروايتان جميعا على أن الواهب لميراثه في مرض الميت، ليس بواهب لما لم يملكه بعد، وإنه إنما هو واهب له إذا ملكه بقوله المتقدم قبل أن يملكه، واختلفا في هل يلزمه إذا مات قوله بقوله المتقدم قبل أن يملكه، واختلفا في هل يلزمه إذا مات قوله المتقدم قبل أن يموت؟ فقال في هذه الرواية: إنه لا يلزمه إذا لم يدر يوم أوجبه على نفسه، كم يكون يوم الموت؟ وقال في رواية أصبغ: إن ذلك يلزمه، إلا أن يقول: لمن أظن أنه يكون هذا المقدار؟ فيحلف على ذلك، ولا يلزمه ومن أهل النظر من ذهب إلى معنى رواية أصبغ أن الصدقة كانت بعد موت الأب، ولذلك ألزمه الصدقة، إلا أن يقول: لم أظن أن ميراثي منه مبلغ هذا المقدار، فيحلف على ذلك ولا يلزمه، خلاف الرواية التي قال فيها: إنه يصدق والأب باق، وقال: إن الصدقة إذا كانت والأب باق، فهي غير جائزة على ما قال في هذه الرواية.
قال: وهو الذي يأتي على مذهبه في آخر الوصايا الثاني من المدونة؛ لأن الوارث لا يملك ميراثه في مرض الموت، فيجوز عليه فيه هبته، وإنما الذي له في مرضه التحجير عليه في أن يوصي بأكثر من ثلثه، أو يوصي لبعض ورثته. فهذا الذي إذا أذن له فيه لزمه على ما قاله في المدونة، وأما أن يهبه هو لأحد فلا.
قال: وفي الموطأ ما يدل على أنه لا يجوز للوارث أن يهب ميراثه في مرض مورثه، وليس ذلك عندي بصحيح، بل الذي في الموطأ أن هبة الوارث بميراثه في مرض الموروث جائز لازم، وليس في المدونة عندي ما يخالف ذلك، ولا في هذه الرواية؛ لأن حمل بعضها على التفسير أيضا نص على خلاف ذلك لاحتمال أن يريد أن الصدقة وقعت في صحة الموروث قبل مرضه، وهذا أولى ما حملت عليه حتى تتفق الروايات؛ لأن حمل بعضها أولى من حملها على الخلاف، فقوله على هذا: إنه إذا وهب ميراثه في صحة الموروث، لم يجز عليه، وإن كان له أن يرجع عنه على معنى هذه الرواية، ولا نص خلاف في ذلك، وإنما يدخل فيه الخلاف بالمعنى، إذ لا فرق في حقيقة القياس في ذلك بين الصحة والمرض. وإذا وهب ميراثه في مرض الموروث الذي مات منه لزمه، ولم يكن له أن يرجع عنه، إلا أن يتصدق به، وهو بظنه يسيرا فينكشف له أنه كثير، فيحلف على ذلك، ولا يلزمه على ما قاله في رسم الأقضية والحبس من سماع أصبغ، ولا نص خلاف في ذلك، أن جوازه بين في الموطأ ويدخل في ذلك الخلاف على ما حكيته عن بعض أهل النظر، فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: الجواز في الصحة والمرض، وعدم الجواز فيهما، والفرق بينهما. وقد مضى هذا في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الشهادات.
وأما إذا وهب ميراثه من أبيه بعد أن مات أبوه، فذلك جائز باتفاق، وإن كان لا يعرف قدره؛ لأن هبة المجهول جائز، قال في المدونة: وإن لم يدرك كنه مورثه إن كان سدسا أو ربعا أو خمسا. ومثله لأشهب في كتاب ابن المواز. وقال محمد بن عبد الحكم: تجوز هبة المجهول، وإن ظهر له أنها كثيرة بعد ذلك. وقول محمد بن عبد الحكم خلاف قول ابن القاسم في رسم الأقضية، والحبس من سماع أصبغ، إذ لا فرق في الصحيح من التأويل بين أن يهبه في مرض أبيه أو بعد موته، وقد قال بعض المتأخرين على معنى ما في المدونة: إنه إذا عرف قدر الميراث فالهبة جائزة، عرف نصيبه من ذلك أو جهله، وإذا جهل قدر الميراث فالهبة باطل، عرف نصيبه من ذلك أو جهله، وإذا جهل قدر الميراث، فالهبة باطل، عرف نصيبه من ذلك أو جهله، وهذا غير صحيح، لا فرق في حقيقة القياس، بين أن يجهل قدر المال أو قدر نصيبه منه، إذا جهله جملة ينبغي أن يجوز في الوجهين جميعا، إلا أن يكون ظن أن ذلك أقل مما انكشف في الوجهين، فيحلف على ذلك، ولا يلزمه على قول ابن القاسم، ويلزمه على قول محمد بن عبد الحكم.
وأما إن شك فيها بين الجزأين، مثل أن يكون الزوج لا يدري إن كان يرث النصف أو الربع، فيكون للتفرقة بين ذلك وبين الذي يجعل قدر المال وجه، وهو أن الذي يشك فيما بين الجزأين، قد رضي بهبة أكثرهما، فوجب أن يلزمه، وبالله التوفيق.

.مسألة تصدق على ولده بناض دنانير أو دراهم:

ومن كتاب أوله أول عبد استأذن سيده في تدبير جاريته:
قال: وسئل مالك: عن امرأة هلكت وتركت أباها وابنها وابنتها وزوجها وهو أبوهما، وتركت متاعا وحليا وصداقا، فأراد أن يتصدق أبوها على الصبيين، فقال لأبيهما: إن تصدقت بمصابك من امرأتك، فيما لها عليك من الصداق، وفي حليها وفي متاعها، وجميع ما تركت على ولدك منه، فمصابي منها في جميع ما تركت صدقة عليهما، فقال أبوهما: نعم، قد تصدقت بجميع مصابي منها عليهما وأشهد لهما بذلك، فمات الجد والأب، والصبيان طفلان، والمتاع والحلي وجميع ما تركت في أيد أبيهما، والصداق عليه كما هو.
قال ابن القاسم: أما المتاع والحلي وما تركت هو الصداق الذي عليه، فهو لهما؛ لأن حوز أبيهما لهما حوز، وأما الصداق فليس لهما منه شيء، لا من مصابة جدهما، ولا من مصابة أبيهما؛ لأن الجد إنما تصدق عليهما، على أن يتصدق أبوهما عليهما، فإنه لم يتصدق أبوهما عليهما، فليس لهما من صدقة جدهما شيء؛ لأن أباهما لم يفرز لهما من صدقة الصداق، إذ لم يفرز لهما ذلك، ويجعله لهما على يد غيره؛ لأن الأب إذا تصدق على ولده بناض دنانير أو دراهم لم تجز صدقته إلا أن يجعل ذلك على يدي غيره، فإذا لم يجعل ما عليه من الصداق بيد غيره، فلم يتصدق عليهما منه بشيء، ولم يقدر لهما شيئا، فلا شيء لهما من الصداق، لا من مصابة أبيهما، ولا من مصابة جدهما.
قال ابن القاسم: ولو كان الصداق الذي عليه عرض موصوف، لم يجز لهما منه أيضا شيء لو تصدق عليهما بعبد موصوف أو سلعة موصوفة، ليست بعينها ثم مات قبل أن يحوزها لهما لم يجز لهما منه شيء، إذا كان الموصوف عليه نفسه، مثل أن يقول: قد تصدقت على ابني بعبد من صفته كذا وكذا، فلا يجوز. ولو كان لأبيه على رجل أجنبي عبد موصوف، فتصدق على ابنه، جازت صدقته، قبضها الأب أو لم يمض حتى مات.
قلت: أرأيت إذا تصدق عليه بدنانير له على رجل فقبضها الأب قبل أن يموت، ثم مات وهي في يديه؟ فقال مالك: الصدقة له جائزة، وتؤخذ من ماله، إذ لأنها قد خرجت مرة حين كانت على الغريم.
قلت: وكذلك لو تصدقت على ابن بمائة دينار، فوضعتها له على يدي رجل، ثم أراد الرجل سفرا لو مات فأخذتها منه ثم مات. وهي في يده أكانت له؟ قال: نعم، هي له تؤخذ له من مالها إذا حيزت له مرة واحدة، فقد حيزت، لا يبالي قبضها الأب بعد ذلك أم لم يقبضها وهي بمنزلة الدار، يتصدق بها على ولده، فيحوزها عنه السنتين أو الثلاثة، ثم يسكن بعد ذلك فيها بكراء أو غيره، ثم يموت، فالصدقة جائزة للذكر، وكل صدقة حيزت مرة فهي جائزة.
قال محمد بن رشد: أما إذا تصدق على ولده بحظه الذي يجب له بالميراث من الصداق الذي عليه لزوجه، عينا كان أو عرضا، فلا اختلاف في أنه يجوز للابن إذا مات الأب وهو عليه كما هو، إذ لا يكون جائزا لابنه ما هو في ذمته، لو قال: أشهدكم أني قد وهبت لابني كذا وكذا دينارا أوجبتها له في ذمتي لم يجز ذلك، وكانت باطلا إذا مات وهي عليه قبل أن يحضرها. وأما قوله: إن ذلك لا يجوز للابن حتى يحوز ذلك ويجعله لهما على يد غيره؛ لأن الأب إذا تصدق على ولده بناض دنانير أو دراهم، لم تجز صدقته، إلا أن يجعل ذلك على يدي غيره، فهو مثل ما تقدم من قوله في رسم طلق من سماع ابن القاسم، ومثل أحد قولي مالك فيه، ومثل قوله في أول رسم من السماع المذكور، خلاف قول مالك في الموطأ، وخلاف ما ذهب إليه أصحابنا المدنيون، من أنها جائزة للابن إذا عزلها وطبع عليها، وإن لم يضعها له على يدي غيره، وقد مضى بيان ذلك في الرسمين المذكورين من سماع ابن القاسم.
ولا اختلاف فيما ذكره من أنه إذا تصدق على ابنه الصغير بالدين يكون له على رجل فقبضه، أو بالدنانير فوضعها على يد غيره، ثم قبضها منه عند سفره، أو من ورثته بعد موته، إنها جائزة للابن تؤخذ له من ماله بعد وفاته، كالدار إذا تصدق بها على من يحوز لنفسه، يحوزه إياها ثم رجع بعد مدة أقلها العام إلى سكناها. كذا قال في رسم أوصى بعد هذا: إن حد ذلك السنة وما أشبهها، فوقع في بعض الكتب أيضا في هذه الرواية: فيحوزها عنها السنتين أو السنة، وهو مثل ما في رسم أوصى، ولا يشترط في الدين الذي يتصدق به على ابنه ثم يقبضه أن يبقى على الذي هو عليه بعد الصدقة حولا كاملا؛ لأنه لم يزل محوزا عنه. وأما الدنانير التي كانت بيده فتصدق بها على ابنه، ووضعها له على يدي غيره ثم قبضها منه، فذلك عندي كالدار، إن قبضها منه باختياره لغير عذر من سفر أو موت قبل الحول، بطلت الحيازة، وكذلك الدار، لو رجع الأب إلى سكناها قبل الحول لعذر، مثل أن ينتقل الابن عن البلد قبل الحول، أو يكون غائبا حين تصدق عليه، فيضعها له على يدي غيره، فيموت أو يسافر قبل الحول. وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يتصدق بعبد لابنه أو يهبه أو يعتقه أو يتزوج به ولا مال له:

قال: وسألته عن الرجل يتصدق بعبد لابنه، أو يهبه أو يعتقه أو يتزوج به ولا مال له. قال مالك: أما الهبة والصدقة فلا تجوز، إن كان له مال، وأما العتق فإن كان له مال وكان في ولايته فالعتق جائز، وللولد قيمته في مال أبيه، فإن كان ولد قد حاز نفسه، وبان منه، فلا يجوز عتقه، وأما التزويج فإنه جائز للمرأة، دخل بها أو لم يدخل، إن كان ولد يليه، وكذلك سمعنا مالكا يقول: ذلك جائز، ولم يقل دخل بها أو لم يدخل، ووجدناه في مسائل عبد الرحيم، فإن لم يكن الأب فقال حين أعتقه، لم يجز عتقه إلا أن يتطاول ذلك.
قال محمد بن رشد: فرق ابن القاسم بين أن يعتق الرجل عبد ابنه الصغير، أو يتزوج أو يتصدق به، فقال: إن العتق ينفذ إن كان موسرا ويغرم القيمة لابنه، ويرد إن كان معدما إلا أن يطول الأمر فلا ترد القيمة، قال أصبغ: لاحتمال أن يكون حدث له في خلال ذلك يسر لم يعلم به. وأما إن علم أنه لم يزل عديما في ذلك الطول، فإنه يرد، وقال: إن الصدقة ترد، موسرا كان أو معدما، فإن تلفت الصدقة بيده المتصدق عليه بأمر من السماء، لم يلزمه شيء، وغرم الأب القيمة وإن فاتت بيده باستهلاك أو أكل، والأب عديم، لزمه غرم قيمتها، ولم يكن له على الأب رجوع، فإن كان عبدا فأعتقه مضى عتقه، وغرم الأب قيمته، إن كان له مال، فإن لم يكن له مال، رد عتقه، إلا أن يتطاول ذلك، بمنزلة إن أعتقه الأب، وإن كانت جارية فاتخذها المتصدق عليه أم ولده، لزمته إن لم يكن للأب مال، بمنزلة ما فوت باستهلاك أو أكل، هذا الذي يأتي في هذا على مذهب ابن القاسم في القسمة من المدونة. ولا أحفظ له فيه نصا.
وقال مطرف وابن الماجشون: إن كان تصدق الأب بمال ولده، وهو موسر، أو معسر ثم أيسر، غرم القيمة، ومضت الصدقة للمتصدق عليه، فإن أعسر بعد ذلك ولم يوجد له مال، وكان المتصدق عليه نقد أفات الصدقة بعتق أو اتخاذ أو أكل أو استهلاك، غرم القيمة واتبع بها الأب، وإن كانت قد فاتت عنده بأمر من السماء، لم يكن عليه شيء، وإن كان الأب تصدق به وهو معسر فاتصل عدمه، وقد أفات المتصدق عليه الصدقة غرم قيمتها، ولم يكن له على الأب رجوع؛ لأنه فعل ما لا يجوز. وقال في التزويج: إن المرأة أحق به، دخل بها أو لم يدخل، موسرا كان الأب أو معسرا، ويتبع الابن أباه بقيمته. قال في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب النكاح: يوم أخذه وأصدقه وامرأته تريد يوم تزوج عليه، لا يوم دفعه؛ لأنه بيع من البيوع، كذا قال ابن القاسم في غير هذا الكتاب. فظاهره: وإن لم تقبضه المرأة. وروى أصبغ عن مالك وابن القاسم أن الابن أحق به من المرأة ما لم تقبضه المرأة، ما لم يطل في يديها بعد القبض، وأما إن قام بعد القبض، باليوم واليومين، والأمر القريب، فهو أحق به، ويكون كالاستحقاق، وتتبع المرأة الأب بقيمته، وسواء على ما ذهب ابن القاسم الذي نص عليه في هذه الرواية، دخل الأب بالمرأة أو لم يدخل بها، وفرق مطرف بين أن يدخل بها أو لا يدخل، ورواه عن مالك.
وقال ابن الماجشون: الابن أحق، دخل الأب أو لم يدخل، قبضت الزوجة أو لم تقبض، طال الأمر أو لم يطل، وهذا الاختلاف إنما هو إذا كان الأب معسرا، وأما إن كان موسرا، فالزوجة أحق قولا واحدا. وحكم ما باعه الأب من مال ولده الصغير في مصلحة نفسه، أو حابى فيه- حكم ما وهبه أو تصدق، يفسخ في القيام، ويكون الحكم فيه في الفوات على ما ذكرته في الهبة والصدقة، غير أنه إذا عدم يرجع على الأب بالثمن، وأجاز أصبغ فعل الأب كله في مال ابنه من الهبة والصدقة والعتق والإصداق في القيام والفوات، في العسر واليسر، لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أنت ومالك لأبيك» فعلى ظاهر الحديث لا فرق بين الصغير والكبير، وهو قول أشهب في رواية ابن أبي جعفر عنه، سئل: عن الرجل يتزوج بمال ابنه أو يعتق أو يهب أو بيع؟ قال: إن كان موسرا يوم فَعَلَ فذلك جائز، وإن كان معسرا لم يجز، ورد وأخذ الابن ماله، كان الابن صغيرا أو كبيرا، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنت ومالك لأبيك».

.مسألة يتصدق بثلثي غنمه على ابنه:

ومن كتاب العرية:
في الذي يتصدق بثلثي غنمه على ابنه. قال: ولا يسأل ابن القاسم: وسئل: عن رجل قال: غنمي ثلثاها لابني صدقة عليه، وثلثها صدقة في سبيل الله. فأقامت في يديه زمانا، ثم عدا عليها فباعها، ثم مات، وابنه صغير في حجره. قال: صدقة الابن ثابتة، يأخذها من ماله، وأما الثلث الذي سمي في سبيل له، فهو لا شيء، ولا شيء في ذلك من مال الميت؛ لأنه لم يخرجه حتى مات. وأما صدقة الابن فهي جائزة له؛ لأنه هو الحائز له.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الحبس، فاكتفيت بذلك عن إعادته هاهنا وستأتي المسألة أيضا في أول رسم من سماع أصبغ بعد هذا من هذا الكتاب.

.مسألة تصدق على رجل بثمن حائطه سنة:

المسألة وقال في رجل تصدق على رجل بثمن حائطه سنة، فيموت المتصدق عليه قبل السنة، هل يكون لورثته؟ أو يكون تصدق على رجلين فيموت أحدهما قبل أن تؤبر النخل، أو بعدما أبرت، هل ترى الموروثة شيئا؟
قال ابن القاسم: ذلك لورثتهما جائز للرجلين جميعا، الذي سألت عنه، وأما الذي لا يكون لورثتهما شيء إنما ذلك فهي إذا مات أحدهما قبل أن تطيب، وكذلك قال مالك.
قال محمد بن رشد: أما الثمرة المتصدق بها صدقة مبتولة، فلا اختلاف في أنها ثورت عن المتصدق، وإن مات قبل أن تؤبر الثمرة، أو قبل أن تطلع وأما الثمرة المحبسة على قوم بأعيانهم، فقد اختلف في الحد الذي تجب الثمرة لهم، وتورث عنهم على ثلاثة أقوال، قد ذكرناها وبينا ما يتعلق بمعناها بيانا شافيا في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب الحبس فغنينا بذلك عن إعادته.

.مسألة قال الغلام كله لفلان صدقة وليس له إلا نصفه:

وسئل: عن الرجل تكون له الدار، وغلام بينه وبين رجل، فحضرته الوفاة، فقال: الغلام كله لفلان صدقة، وليس له إلا نصفه. وقال: الدار التي بيني وبين فلان على فلان صدقة كلها، ما ترى فيه؟ قال: أرى إن كان إنما تصدق بالدار أو بالعبد على شريكه منهما، وقال هذه المقالة التي ذكرت، فليس للشريك إلا حصة المتصدق، وإن كان تصدق بذلك على أجنبي، وقال هذه المقالة، كانت الدار كلها أو العبد كله له، إن رضي شريكه أن يسلم ذلك بقيمته، رجع ابن القاسم وقال: لا أرى للشريك ولا للأجنبي إلا نصيبه من ذلك، إلا أن يقول: اشتروا له نصيب صاحبي، وَبَيَّنَ.
قال محمد بن رشد: وكذلك حكم الصدقة الباقية إذا لم يكن في وصيته، سواء تصدق بالعبد كله، أو الدار كلها على شريكه في ذلك، لم يكن له إلا نصيبه المتصدق، وإن تصدق بذلك على أجنبي فمرة رأى ابن القاسم أن للمتصدق عليه العبد كله، أو الدار كلها، ويلزمه لشريكه قيمة حظه من ذلك، إن رضي شريكه أن يسلمه إليه بقيمته، ومرة قال: إنه لا يلزمه الصدقة إلا بنصيبه من ذلك، إلا أن يقول: قد تصدقت عليه بجميعه إن رضي شريكي أن يأخذ مني في نصيبه قيمة وجه القول الأول أنه لما تصدق بجميعه لم يحمل على ظاهره من العداء بصدقة ما ليس دون عوض يدفعه فيه، وحمله على أنه إن أراد، إن رضي شريكه بأخذ قيمة نصيبه منه. ووجه القول الثاني أنه حمل فعله على ظاهره من العداء بصدقة ما ليس له، كما لو تصدق رجل على رجل بعبد لا حظ له فيه، لم يلزمه أن يؤدي إلى صاحبه قيمته، وإن رضي بذلك، إلا أن يرضى هو بذلك.
والقول الأول أظهر؛ لأن البر وإرادة الخير والثواب قد ظهر منه في الصدقة بنصيبه، فالأولى أن يحمل فعله كله على ذلك، ولا يحمل بعضه على التعدي، وأما نصيبه فلا اختلاف في أن الصدقة تلزمه فيه، إلا يكون له مع شريكه فيه شركة مع غيره مما يقسم معها قسما واحدا، ففي ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها تقسم، فإن صار ذلك للمتصدق في سهمه، كان ذلك للمتصدق عليه، وإن صار لشريكه له شيء، وهو قول ابن القاسم، على أن القسمة تمييز حق.
والثاني: أنه لا يكون للمتصدق عليه إلا حصة المتصدق من ذلك، فإن صارت لشريكه، كان له من حق المتصدق من غيرها قدر ذلك، وهو قول ابن الماجشون، على قياس القول بأن القسمة بيع من البيوع.
والثالث: أنه إن صار ذلك للمتصدق كان للمتصدق عليه، وإن صار لشريكه، كان له من حظ المتصدق، من خيرها قدر ذلك، وهو قول مطرف.
واختلف إن كان العبد الذي تصدق بجميعه من مال قراض بيده فيه ربح، فقيل: إنه تلزمه الصدقة بما يصيبه منه، وقيل: إنه لا يلزمه ذلك إذ لا يتقرر له فيه حق إلا بعد نضوض رأس المال إلى صاحبه، لجواز أن يخسر فيما يستقبل، فيكون عليه أن يجيز رأس المال ما يجب له من ربح هذه السلعة، والقولان قائمان من كتاب القراض من المدونة. وبالله التوفيق.